تحميل كتاب فسيفساء: تجارب إنسانية في التنمية والنهضة

تجارب الإصلاح والتنمية والنهضة وصناعة الحياة – سمها ما شئت – هي تلك التجارب التي تحقق مصلحة عامة أو تدرأ مفسدة عامة، فتلبي احتياجا عاما، أو تحل مشكلة عامة، وهي تجارب يتوافر لأصحابها الإرادة الحرة وإن استعبدت الإرادات، والعقل المبدع وإن أسنت الأفكار، فيتفاعلون مع تلك الاحتياجات و/ أو المشكلات، ويقدمون لنا تجارب نتعلم منها أيا كان مصدرها، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها، والحكمة كي تلتمس لابد من النظر والتعلم من تلك التجارب، يقول الله تعالى: “ولقد جاءكم من الأنباء ما فيه مزدجر، حكمة بالغة فما تغني النذر”[1]..ففي هاتين الآيتين يعطينا الله درسا في أحد مظان التماس الحكمة، وهي “الأنباء” التي تأتينا عن “تجارب” الأمم قديمها وحديثها، ماضيها وحاضرها، وإذا كانت الآيتان قد جاءتا في معرض الحديث عن أنباء تجارب الأمم التي عصت وكفرت فكان عاقبتها كما جاء في القرآن، ومن ثم فإنها تحدثنا عن الاستفادة من تجارب إخفاقات الأمم، فلا يعني هذا أننا لا يمكننا أن نستخلص من نجاحات الأمم في تجاربها حكمة بالغة أيضا، فالأمم صغيرها وكبيرها، قديمها وحديثها، شرقيها وغربيها، وشمالها وجنوبها تمر جميعها بتجارب، قد تنجح فيها وقد تخفق، ومقياس النجاح والإخفاق، هو بمقدار ما تحقق تلك التجارب من مصالح أو تدرأ من مفاسد، سواء في ذلك مصالح ومفاسد الدنيا أو الآخرة والتي يمكننا أن نحدد ملامحها بمقياس الفطرة أو بمقياس الرسالة، لكن بعض الأمم هي التي تستفيد من تجاربها، بينما البعض الآخر لاه، غافل، وإذا كان تشوه الفطرة ومن ثم تشوه المقاييس والمعايير التي نقيس بها المصالح والمفاسد مانع من استفادة البعض، فإن غفلة البعض الآخر عن تدوين أو توثيق تجاربه وتجريد الحكمة المستخلصة من تفاصيلها هو مانع آخر من الاستفادة والتعلم، ومن ثم فهو مانع من تراكم المعارف والخبرات المكتسبة من تلك التجارب، ومانع من ثم من التقدم والنهوض، وفي هذا الصنف الثاني تقع أمتنا للأسف الشديد.

إذ لم تحظ تجاربنا التنموية والنهضوية بالتوثيق أو التجريد الواجب اللهم إلا القليل منها، وفي هذا السفر الذي بين أيديكم، والذي يأتي كحلقة سابعة من سلسلة “رسائل في الإصلاح والنهضة”[2] أقدم بعضا من التجارب، التي دونت:

  • كتجربة واحة الصبيان: والتي حرص صاحبها الأستاذ السعيد محمد عاشور على توثيقها بشكل مثالي على الرغم من مضي عشرات السنين على حدوثها.
  • وتجربة بنوك الادخار المحلي: والتي قدم عنها صاحبها الدكتور أحمد عبد العزيز النجار ثلاثة محاضرات ثم جمعها في كتاب رائع، كان هو المرجع الوحيد حول تجربة كانت تستحق أكثر من مجرد كتاب.
  • وتجربة “خزف جراجوس”: والتي قدمت في شكل وصفي وفني أكاديمي بارد، خلا من التجريد الواجب.

كما قدمت في الكتاب توثيقا لبعض التجارب التي تفرقت الأنباء عنها في بطون الكتب والصحف هنا وهناك، فحرصت أن ألم شعثها في مقال جامع، أتمنى أن يعطيني الله العافية والإرادة حتى أقدمها في كتاب خاص تستحقه، ألا وهي تجربة الحزب الوطني القديم ومشروعه في النهضة والاستقلال. كما أقدم بعض التجارب التي استقرأتها من المعاصرة ولم تحظ بالتدوين كتجربة العمل الخيري الشبابي الحديث.

وفي الباب الثاني من الكتاب ألقي إضاءات على تجارب من هنا وهناك من بلدان العالم الأول أو العالم الثالث، من كوبا غربا إلى شبه القارة الهندية شرقا، وهي التجارب التي وجدت عنها مادة وفيرة على شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت).

وتتناول تلك الباقة الأولى من التجارب التي أعرضها في الكتاب ببابيه – والتي أتمنى أن تتلوها باقات أخرى إن كان في العمر بقية – تجارب متنوعة من حيث المستوى ومن حيث الموضوع، فمن تجارب الدول (كوبا)، إلى تجارب الحركات الاجتماعية والأحزاب (الحزب الوطني)، إلى تجارب المؤسسات الاقتصادية والأهلية (بنوك الادخار – تاتا – شيدولاي – بذور التغيير إلخ)، إلى تجربة الأفراد (واحة الصبيان) إلا أنها جميعا تتفق في كونها أحدثت تنمية وسعت لإحداث نهضة تتناول مجتمعا أو فئة من فئاته، محققة بذلك مصلحة أو ساعية لدرء مفسدة، راجيا من الله أن تكون تلك التجارب حافزا لمن يسعون في الأرض إصلاحا، وتنمية ونهضة كي يواصلوا عملهم فيما بدأوه، وحافزا لهم أيضا كي يدونوا ويوثقوا لنا “أنباء” تلك التجارب والخبرات حتى لا نبقى نحرث في البحر، وحتى لا نكون مغبونين.. يومنا كأمسنا، وغدنا كيومنا. راجيا المولى عز وجل أن يكون عملي هذا خالصا لوجهه الكريم وأن ينفعني به في الدنيا والآخرة، وأن ينفع الناس به “وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض”.

مجدي سعيد

فبراير 2010 

للإطلاع على الكتاب مجانًا وتحميله: اضغط هنا

ملحوظة: في هذه الطبعة الإلكترونية من الكتاب، قمت بإضافة موضوعين كانا قد سقطا سهوا من الطبعة الأولى، وهما موضوعي محمية جبل الشوف في لبنان، وقرية سلمون القماش في مصر.

[1] – القرآن الكريم، سورة القمر، آية 4 – 5.

[2] – سبقتها رسائل: (1) تأملات قرآنية في الإصلاح والنهضة، (2) العمل الأهلي حياة الأمة..تجربة الإمام محمد عبده، (3) الحركة التعاونية..الطاقة التنموية المهدرة، (4) من سير صناع الحياة (5) التعليم مشروع الأمة..عبرة الماضي والحاضر وآفاق المستقبل (6) العلوم والتكنولوجيا..أفكار وتجارب في التغيير والنهضة.

أضف تعليق