المجتمع المحلي في خدمة كبار السن

أصبح إهمال كبار السن وتركهم يقضون ما بقي لهم من حياة على هذه الدنيا وحدهم ظاهرة معروفة للكافة، خاصة في المدن، شرقية كانت أم غربية، غير أنه ومع انتشار تيارات أنسنة العالم، ظهرت مبادرات لما يعرف بالقرى الحضرية أو Urban Villages والتي تسعى لابتكار مساحات تستعيد فيها المجتمعات المحلية لسكان المدن بعضا مما كان شائعا بين سكان الريف من قيم وعلاقات اجتماعية، من بين المبادرات التي تندرج تحت هذا الإطار مبادرة “القرى الحضرية للكبار Senior Urban Villages”.
القرى الحضرية للكبار هي نوع من القرى الحضرية التي أصبحت شائعة في الولايات المتحدة، حيث نشأت في حي بيكون هيل في بوسطن في عام 2001، وهي منظمات يديرها الأعضاء وتسمح لسكان المدن الأكبر سنًا بالعيش في منازلهم وتأخير أو تجنب الانتقال إلى دور المسنين، حيث تستخدم المتطوعين لرعاية كبار السن، وقد يدفع الأعضاء أحيانًا رسومًا سنوية لتوظيف الموظفين الذين يقدمون لهم المساعدة – مثل النقل، وإصلاح المنازل، والخدمات الطبية – إلى من يحتاجون إليها.
الآن يبلغ عدد هذه المجموعات حوالي 230 وتنتشر في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وتوفر هذه المبادرات فرصا لتعزيز التساند بين كبار السن المنعزلين غالبا ومجتمعاتهم المحلية، فمن خلالها تستطيع امرأة مسنة ما أن تدعو المتطوعين لمساعدتها في إصلاح منزلها، أو تحصل على موعد مع الطبيب يرافقها أحد أعضاء القرية إليه بسيارته، كما يمكنها أن تطلب من عضو آخر في القرية أن يرافقها إلى أحد صالات التمارين الرياضية، مما يساهم في التماسك الاجتماعي، واستقرار المجتمع من خلال بقاء كبار السن في منازلهم، وبقائهم مستقلين نسبيا ويتمتعون بالحيوية.
من السمات المميزة للقرى الحضرية للكبار أنها تبدأ من القاع إلى أعلى وكلها يقودها متطوعون على مستوى القاعدة الشعبية، كما تقول ناتالي غلوشيا، المديرة التنفيذية لشبكة من قرية إلى قرية Village to Village Network، وهي شبكة تستظل تلك المبادرات تحت مظلتها، تساعد القرى الحضرية للكبار على مشاركة خبراتهم وأفضل ممارساتهم.
وكما يؤكد مقال نُشر في مجلة العمل الاجتماعي للشيخوخة العام الماضي، فإن غالبية المشاركين من كبار السن في القرى الحضرية شعروا بأن العضوية قد حسّنت شعورهم بالارتباط بالآخرين والقدرة على الاعتماد على الآخرين.
في المنزل بالإسكندرية أو At Home in Alexandria (AHA) هي واحدة من 35 قرية تقريباً في منطقة واشنطن العاصمة، وحدها، تأسّست المبادرة عام 2011 وهي تشبه معظم القرى الحضرية للكبار، حيث تزوّد أعضاءها بالمواصلات والمساعدة في المهام ذات الصلة بالمنزل مثل تعليق الصور أو تثبيت برامج كمبيوتر جديدة. إلا أن الأعضاء طوروا أيضًا مجموعة واسعة من الأنشطة الاجتماعية، بما في ذلك وجبات الإفطار والغداء المشتركة شهريًا، وتجمعات الأحداث الجارية، ورحلات إلى السينما.

لمصدر المعلومات والمزيد منها طالع تقريرا على موقع شيرابل:
https://www.shareable.net/blog/why-urban-villages-are-on-the-rise-around-the-world
وطالع موقع شبكة من قرية إلى قرية:
http://www.vtvnetwork.org/content.aspx?page_id=0&club_id=691012
وموقع مبادرة “في المنزل بالإسكندرية”
http://athomeinalexandria.org/

رابطة مجتمعية لجمع وحفظ الفواكه المهدرة

اعتدت يوميا في شهور الصيف منذ إقامتي في منطقة أوسترلي Osterley بلندن منذ حوالي 3 أعوام أن أمر على شجرة تفاح على ناصية الشارع الذي أسكن فيه في حديقة إحدى العمارات، وحينما يأتي موسم إثمار الشجرة تبدأ ثمرات التفاح في التساقط، بعضها في الحديقة، والبعض الأكبر منها على الرصيف وفي نهر الطريق، حيث تدهسها الأقدام وإطارات السيارات، ولأن سكان تلك العمارة من المستأجرين، ولأن المارة مثلي لا صلة لهم بالشجرة ولا بالعمارة، تذهب الكثير من الثمرات هدرا، فلا استفاد منها أصحابها، ولا استفاد منها المشردون ولا الفقراء ولا غيرهم من ذوي الحاجات، ويبدو أن هذا الحال منتشر في الكثير من المدن الغربية.
ففي كل صيف في مدينة بوسطن الكبرى، تقع كمية كبيرة من ثمار الأفنية الخلفية على الأرض والأرصفة، حيث تتعفن وتخلق حالة من الفوضى، وغالباً ما يتم الضغط على مالكي العقارات والبلديات لإزالة هذه “المضايقات”، في حين يكافح العديد من سكان الحضر للوصول إلى مصادر الأغذية المحلية والعضوية. طورت “رابطة المعلبين الحضريين League of Urban Canners” التي أسسها سام كريستي Sam Christy كتعاونية مجتمعية في أواخر عام 2011، شبكة من الأفراد المتطوعين لتحديد مواقع، وحصاد، وحفظ، ومشاركة هذه الفاكهة المهدرة. حيث يقومون بإبرام اتفاقات مع مالكي العقارات للمشاركة في أعمال حصاد الثمار وحفظها، وكذلك تقليم الأشجار والشجيرات، على أن يتم تقاسم الفواكه المحفوظة بين أصحاب الأملاك (10 بالمائة)، والحافظون (70 بالمائة)، والحصاد (20 بالمائة).
وفي كل موسم، يحصد المشروع الذي يديره المتطوعون بالكامل حوالي 5000 رطل من الفاكهة من قاعدة بيانات تضم أكثر من 300 شجرة وتعريشة. وتدعم أعمال التعاون الكثيرة هذه المشاعات الحضرية، التي يتعلم فيها الحاصدون، وأصحاب الأملاك، والمحافظون، والأكلون مشاركة المسؤولية، والموارد، والرعاية لبعضهم البعض، وبيئتهم الحضرية. وبذلك تمارس التعاونية نموذجًا اقتصاديًا بديلًا لإنتاج الغذاء حيث يعمل أعضاء المجتمع معًا لإنتاج الغذاء لأنفسهم.

لمصدر المعلومات وللمزيد منها طالع:
https://www.shareable.net/blog/3-grassroot-movements-bringing-people-together-through-food
وطالع موقع المبادرة:
http://www.leagueofurbancanners.org/

“تشارك المطبخ”..سلام على الذين يتشاركون الماعون

يوما بعد يوم يبني الناس صروحا جديدة ومبتكرة للتشارك، تعمق الأواصر بينهم، وتقلل نفقاتهم، وتستثمر حاجياتهم، وتلبي احتياجاتهم المشتركة كمجتمع. “تشارك المطبخ أو Kitchen Share” هي إحدى المبادرات الجديدة والمبتكرة، والتي تجسد ذلك عبر النظر لأدوات المطبخ غير دائمة الاستخدام من منظور كونها موارد مجتمعية يمكن أن تدار تشاركيا للعون المتبادل على الطهو المنزلي.
حيث يمكن أن تكون أدوات المطبخ غير ضرورية للمال ولا تسعها مساحة خزانة المطبخ، ومن ثم يمكن أن يطلق عليها أنها من الحاجيات بتعبير علماء الأصول، خاصة بالنسبة لسكان المدينة ذوي الميزانيات المحدودة والمنازل الصغيرة. ومن ثم أطلقت مبادرة “تشارك المطبخ” عام 2012، كمكتبة لإقراض أدوات المطبخ للطهي المنزلي في بورتلاند، بولاية أوريجون الأمريكية، حيث يتمكّن أفراد المجتمع من استعارة مجموعة متنوعة من أدوات المطبخ مثل المذيبات والخلاطات وعصارات الطعام. ويمكن للأعضاء التحقق من أكثر من 400 أداة عبر الإنترنت باستخدام تطبيق محمول للإقراض بأسعار معقولة من myTurn.
ومن خلال موقعين في بورتلاند، تعمل “تشارك المطبخ” السكان على تنظيم ورش العمل وفعاليات لتبادل وتعلم وصفات ومهارات جديدة في الطبخ مع الجيران. وبصفتها موردًا اجتماعيًا غير ربحي للطهاة المنزليين، تطلب شركة “تشارك المطبخ Kitchen Share” التبرع لمرة واحدة فقط عند الانضمام بمبلغ يتراوح ما بين 10 إلى 30 دولار، ولكن لا يتم استبعاد أي شخص بسبب نقص الأموال. تذهب الغالبية العظمى من هذه التبرعات مباشرة لشراء الأدوات التي يزداد طلب الأعضاء عليها أكثر من غيرها، مما يوفر إمكانية الوصول إلى أدوات ضخمة وباهظة الثمن بأسعار معقولة، وفي ذات الوقت يتم جعل مجتمع المدينة أكثر كفاءة في استخدام الموارد.

لمصدر المعلومات والمزيد منها طالع تقرير شيرابل:
https://www.shareable.net/blog/3-grassroot-movements-bringing-people-together-through-food
وطالع موقع المبادرة من هنا:
https://kitchenshare.org/
وطالع موقع التطبيق:
https://myturn.com/

“يوم المطعم”..من أجل مجتمع تشاركي

في إطار انتشار ثقافة “المدن التشاركية أو Sharable Cities” ظهرت في العالم العديد من المبادرات التي تسعى لتحقيق هذا المعنى لرتق بعض الخروق الاجتماعية الناتجة عن حياة المدن العصرية الحديثة. يوم المطعم Restaurant Day هي واحدة من تلك المبادرات المبتكرة التي تتخذ من الطعام مدخلا لتحقيق ذلك.
يوم المطعم هي مبادرة فنلندية بالأساس تسعى لتعزيز الصلات المجتمعية عبر التجمعات الثقافية حول الوجبات المشتركة، ففي المدن الكبيرة يعيش الناس من مختلف الثقافات على مقربة، ومع ذلك لا توجد في كثير من الأحيان فرص كافية لهم للاختلاط وتجربة التقاليد الغذائية المتنوعة داخل مدينتهم. وفي محاولة لجمع الناس وتعزيز التفاعل الثقافي المتبادل، قام المنظمون المحليون في العاصمة الفنلندية هلسنكي بإنشاء “Ravintolapäivä” أو يوم المطعم، والتي بدأت في عام 2011 ككرنفال غذائي، حيث تم تشجيع أي شخص لديه شغف بالطعام لتشغيل “مطعم” في منزله الخاص أو في الأماكن العامة لمدة يوم واحد. وعلى الرغم من أن المطاعم المنبثقة عن المبادرة تفرض رسومًا على الوجبات إلا أن التركيز ليس على الربح، بل على العمل الجماعي المجتمعي والتبادل الثقافي بالأساس. وخلال هذا الحدث “يوم المطعم” تتحول هلسنكي من خلال مئات من هذه المطاعم غير الرسمية التي تقدم مجموعة واسعة من المأكولات إلى مهرجان شارع على مستوى المدينة، يتم تنفيذ هذا الحدث من خلال المنظمات الموزعة من الأفراد المتطوعين، حيث يصبحون هم المسؤولون عن العثور على الموقع، وإدارة قائمة الطعام والدعوات، وتحديد أسعار الوجبات.
الآن، أصبح يوم المطعم كرنفالا غذائيا عالميا، وحركة عالمية تسمح لأي شخص أو مجموعة بالانضمام لكي يكونوا سفراء لإعداد مطعم أو مقهى، حيث يمكن فتح المطاعم المنبثقة والكرنفالات الغذائية المحلية في أي وقت وأي مكان: في منزلك أو في المكتب أو في زاوية الشارع أو في حديقتك أو في ساحة الفناء الداخلية أو في المتنزه أو على الشاطئ – فقط خيالك هو الحد. وبعد مرور سبع سنوات على تأسيس المبادرة أصبح هناك أكثر من 27 ألف مطعم منبثق من المبادرة يخدم أكثر من 3 ملايين عضو مجتمع في 75 بلدًا حول العالم، وأصبح يقام احتفال سنوي بـ”يوم المطعم” في السبت الثالث من شهر مايو من كل عام.

لمصدر المعلومات وللمزيد منها طالع تقرير موقع شيرابل:
https://www.shareable.net/blog/3-grassroot-movements-bringing-people-together-through-food
وطالع نسخة إنجليزية من موقع المبادرة، حيث يمكنك المشاركة:
http://www.restaurantday.org/en/

رحلة لاستكشاف ثقافة التصنيع الذاتي ومساحاته

الرحلات الاستكشافية هي إحدى الأدوات التي تجدد الهواء في الدماغ، بما لها من قدرة على شحذ الأفكار التأملية المهيئة للابتكار، لذلك فإن الأمم المتقدمة أو الساعية للتقدم توجد من المؤسسات التي تدعم الشباب للقيام برحلاتهم الاستكشافية الخاصة كهذه. من بين تلك المؤسسات الموجودة في الولايات المتحدة “مؤسسة واتسون Watson Foundation” التي تنظم برنامجا سنويا يدعى برنامج “زمالة توماس ج. واتسون Thomas J. Watson Fellowship” للشباب في مرحلة ما بعد الجامعة، والذي التحق به عام 2017 شاب ليام جريس- فلود Liam Grace-Flood.
أما زمالة توماس واتسون فهي منحة لمدة سنة واحدة للاستكشاف المستقل والمقصود خارج الولايات المتحدة، والتي تمنح لكبار الخريجين الذين تم ترشيحهم من قبل إحدى الكليات الأربعين الشريكة في البرنامج. وأما ليام جريس فهو فنان ومهندس وباحث أمريكي شاب، حصل على الزمالة عام 2017، من أجل أن يطوف العالم ليستكشف ثقافة التصنيع الذاتي ومساحاته Maker Culture & Spaces، ومن ثم بدأ يكتب سلسلة تقارير من المحطات المختلفة لرحلاته في إحدى أشهر مجلات التصنيع الذاتي وهي “مجلة ميك Make Magazine” وذلك بداية من أول أغسطس عام 2017، وحملت السلسلة عنوان “عالم مفتوح Open World” انسجاما مع روح المجلة وروح حركة التصنيع الذاتي في المصدر المفتوح، يقول ليام في تقريره الأول: ربما أكون قد بدأت السفر للتو، لكنني كنت دائمًا صانعًا ومهتمًا بالهندسة والتصميم والفنون الجميلة والحرفية، ويقول أن غرض رحلته تلك هو معرفة كيف يمكن لمساحات وهياكل التصنيع الذاتي تحسين قدرتنا على الابتكار وصنع الأشياء، وعلى تعلم المهارات والأفكار والممارسات الجديدة، وكيف تساعد على الجمع بين الناس للتحدث والتصنيع سويا.
في الأربعة عشر تقريرا التي نشرها حتى 9 مايو 2018، نشر عدة تقارير عن عالم التصنيع الذاتي في لندن والتي قضى فيها ثلاثة أشهر، ونشر تقارير عن ورش التصنيع الذاتي الكبرى بها، وآخر عن مساحات التصنيع الذاتي، وثالث عن غرف الماكينات، وأجرى لقاءات مع أحد المسئولين عن منصة ويفولفر Wevolver للتشارك في المشاريع الهندسية. ومن لندن انطلق إلى الهند حيث قدم المشهد التصنيعي في بنجالور، ثم زار مشروع فيجيان أشرم قرب مومباي، ومن هناك سافر إلى تنزانيا حيث قدم تقريرا عن مشروع تويندي لتكنولوجيا المجتمع، ثم أعد تقريرا عن استوديو ثينك كينج للتصميم في جنوب أفريقيا، كما كتب عن ميكرفيرستي في كل من بريطانيا وهولندا، وأجرى حوارا مع بيل هولمان أحد كبار فلاسفة حركة التصنيع الذاتي، وقدم تقريرا عن مواقع تساعدك في الوصول إلى مساحات التصنيع الذاتي المحلية، وأخيرا فقد أعد تقريرا عن حبيبي ووركس Habibi Works وهو مشروع مساحة تصنيع وتعليم تصنيع ذاتي مخصصة للاجئين في ألمانيا، وهو المكان الذي تطوع فيه ليام خلال الأشهر الستة الأخيرة. الرحلة الاستكشافية ثرية بتفاصيلها التي يمكن للمهتمين مطالعتها، وهي ملهمة بلا شك في فكرتها بغض النظر عن تفاصيلها المهمة بلا شك، غير أن الشاهد في الأمر، أن الأمر ليس مجرد سفر وترحال من بلد إلى آخر، ولكن استكشاف معرفي وفق خطة وبدافع من شغف يملأ قلبك، وأسئلة تشغل عقلك تبحث لها عن إجابات خلال الرحلة، وهي في الختام نتائج موثقة “مفتوحة المصدر” تنفع الناس كما تنفع صاحبها.

لمصدر المعلومات والمزيد منها، طالع مواقع مؤسسة واتسون:
https://watson.foundation/
والمقال الافتتاحي لسلسلة عالم مفتوح:
https://makezine.com/2017/08/01/open-world-join-us-we-explore-maker-culture-spaces/
وقائمة المقالات المنشورة في السلسلة:
https://makezine.com/tag/open-world/

المحاكاة الأحيائية..الابتكار المستوحى من الطبيعة

لربما كان أول “ابتكار” تعلمه الإنسان على وجه الأرض لمواجهة أول مأزق يواجهه مستوحى من أحد المخلوقات هو “ابتكار” الدفن، كتقنية تعلمها أحد ابني آدم حينما قتل أخاه “فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه”، وعلى مر السنين تعلمت المجتمعات البشرية الكثير من الابتكارات التي استوحتها من المخلوقات، وربما نتذكر كعرب ومسلمين تجربة عباس بن فرناس في الطيران، ويتذكر الغرب تصميمات ليوناردو دافنشي التي تحاكي الطيور.
لكن تحول هذا السلوك وتلك الممارسات إلى علم، أو الأصح وصفه بالتوجه والاقتراب العلمي والتكنولوجي، هو أمر حديث النشأة في تاريخ العلم الحديث، فقد ظل المفهوم والمصطلح يتلجلج منذ خمسينيات وستينيات القرن العشرين بين عالم الفيزياء الحيوية أوتو شميت، والطبيب جاك ستيل، إلى أن دخل قاموس ويبستر عام 1974 في صياغته القديمة: biomimetic، ثم ظهر في صيغته الجديدة biomimicry عام 1982، لكنه لم يتبلور بشكله النهائي كمفهوم ولم يكتسب شعبيته إلا عندما نشرت عالمة الأحياء والكاتبة الأمريكية جانين بينيوس Janine Benyus كتابها “المحاكاة الأحيائية..الابتكار المستوحى من الطبيعة Biomimicry..Innovation Inspired by Nature” عام 1997. وفي مقدمة كتابها هذا تضع جانين تعريفا للمحاكاة الأحيائية يرتكز على ثلاثة أنماط:
– الأول هو ذلك العلم الذي يدرس النماذج في الطبيعة ثم يقلد أو يستلهم من تصميماتها وعملياتها ما يحل به المشكلات البشرية، وتضرب مثلا لذلك بالخلية الشمسية التي تحاكي أوراق الشجر.
– الثاني هو ذلك الذي يتخذ من الطبيعة والبيئة مقياسا ومعيارا يقيس به مدى صحة ابتكاراتنا، فبعد ثلاثة ملايين عام ونصف من عمر الأرض، نستطيع أن نتعلم من الطبيعة، ما يصلح، وما يلائم، وما يدوم.
– الثالث هو ذلك الذي يتخذ من الطبيعة مرشدا، ومن علم المحاكاة الأحيائية طريقة جديدة لرؤية وتقييم الطبيعة، تدخلنا في حقبة لا ننظر فيها للعالم الطبيغي كمنجم للاستخراج، ولكن كمعلم وملهم.
وفي الفصل الأول من الكتاب تحاول جانين الإجابة عن سؤال “لماذا نحن بحاجة الآن لعلم المحاكاة الأحيائية”، وهو ما يمكننا أن نلخصه في القول بأن الإنسان الصناعي Homo Industrialis قد جاوز الحد الذي تتحمله الطبيعة إن في استنزاف الموارد منها أو في إغراقها بالنفايات والملوثات، وذلك لأننا كبشر ظننا أن الأرض لنا وحدنا، وأننا الأعلى في رتبة الكائنات على الأرض، ومن ثم فمن حقنا أن نفعل ما يحلو لنا للسيطرة على الطبيعة والتحكم فيها، دون اعتبار لوجود باقي الكائنات، ودون اعتبار لمراعاة حدود الطبيعة. البعد الآخر الذي يبرر السير في المحاكاة الحيوية هو التواضع الذي ينبغي أن نتحلى به، حيث أننا صرنا نعلم مقدار الإعجاز في كل مفردة من مفردات الخلائق، وفي العلائق بين تلك المخلوقات، وأن ذلك الإعجاز يفوق أي ابتكار بشري في كفاءته، فالكائنات تتوافق أشكالها مع وظائفها، وتؤدي وظائفها على الأرض بالقدر الأدنى من الطاقة، ودون مخلفات، وتحافظ على التنوع، وتراعي الحدود، وتكافئ التعاون، ومن ثم علينا أن نتواضع ونجلس في مقاعد التعلم من الطبيعة. البعد الثالث الذي أشارت إليه جانين أيضا هو أن المجتمعات البشرية للسكان الأصليين في العالم على مدار التاريخ، كانت تعيش بحكمة العلوم والتكنولوجيا التي تتوافق مع الطبيعة، وأن الحضارة الغربية هي التي أعطت – حال صعودها – ظهرها لتلك الحكمة، واصفة تلك الشعوب بالبدائية، وتلك العلوم والتكنولوجيا بالتخلف، إلى أن بدأت كوارث الحياة المعاصرة على الإنسان والبيئة تظهر فأدركت حينها مغزى وقيمة ما لدى تلك الشعوب والقبائل مما يمكن أن نتعلمه.
وفي نفس الفصل تشير جانين إلى ما قادها إلى “المحاكاة الأحيائية”، حيث تشير إلى أن التخصصات العلمية المختلفة داخل علم الأحياء علمتنا ألا ننظر للطبيعة ككل متكامل فيه من العلاقات والترابطات ما لا ينفع معه النظرة التجزيئية، وأنها لاحظت أننا نواجه نفس التحديات التي تواجه باقي الكائنات في الكون من الحاجة إلى طعام وماء ومساحة ومأوى في إطار موئل محدود، وأننا نسعى لمواجهة تلك التحديات اعتمادا على المهارة والذكاء الإنساني وحده، وأنها وجدت مساعي من علماء وباحثين من تخصصات مختلفة يعملون على الحدود ما بين تخصصاتهم وما بين المحاكاة الأحيائية، دون أن يكون هناك بلورة لموضوع المحاكاة الحيوية يتلاقى على أرضيته كل هؤلاء، حيث لا توجد جامعة، ولا مراكز بحوث، ولا حركة تدفع في هذا الاتجاه، ومن ثم كان كتابها الذي يبحث في الإجابة على أسئلة تلبية حاجات الإنسان من خلال “المحاكاة الأحيائية” والذي طبع عدة طبعات منذ نشره، والذي أسست على إثره “معهد المحاكاة الأحيائية” بالتعاون مع بريوني شوان عام 2006 ليقدم برامج لتعليم الشباب، ووحدة للتعلم من الطبيعة، ومسابقة للتصميم المستلهم من الطبيعة، وشبكة عالمية للمعنيين بالأمر، وذلك كله من أجل تمكين الناس من إيجاد حلول مستلهمة من الطبيعة من أجل كوكب صحي.
————-
لمصدر المعلومات وللمزيد منها طالع الكتاب:
Janine M. Benyus, Biomimicry..Innovation Inspired by Nature, Harper Perenial, 2002
وطالع الويكيبيديا حول المحاكاة الحيوية:
https://en.wikipedia.org/wiki/Biomimetics
وطالع موقع المعهد:
https://biomimicry.org/

“أنا المواطن”..وفضيلة توثيق الخبرات والتجارب

الكثيرون منا يخوضون التجارب الطوال في مجالات عدة، ويتعلمون من تلك التجارب خبرات عديدة، وكما يقولون فإن “الحركة بركة”، وخير الحركة ما كان في أوساط الناس، ريادة في مجتمعاتهم، تنفعهم وتتعلم منهم دروسا وتخرج بتأملات، لكن خلاصات هذه التجارب وتلك الخبرات والتأملات، تبقى حبيسة الأدمغة حتى يسود حبرها الصفحات، لتلهم الناس وتجعلهم يتأملون وتنطلق أفكارهم إلى عنان السماء، وربما يتحركون، ومن ثم يتعلمون، فتتضاعف البركة.
“أنا المواطن I, the citizen” هو أحد كتابين يحملان خلاصة خبرات دكتور راماسوامي بالاسوبرامانيام (أو دكتور بالو Balu)، وهو في الأصل طبيب من مواليد عام 1965، ناشط وباحث وكاتب في مجال التنمية والسياسات العامة، اشتهر بأعماله الرائدة في مجال التنمية مع السكان الريفيين والقبليين في ساراجور، بالقرب من ميسورني كارناتاكا، بالهند. أسس حركة سوامي فيفيكاناندا للشباب (SVYM)، وهي منظمة تنموية مقرها في ساراجور وذلك عندما كان في التاسعة عشر من عمره. وبعد أن أمضى 26 عاما في العمل التنموي بين الناس في المناطق الريفية والقبلية، واصل دراسته الأكاديمية في مجالات القيادة، والتطوير التنظيمي والسياسات العامة. شغل منصب أستاذ فرانك هـ. تي. رودس في جامعة كورنيل بين عامي 2012 و2014، ولا يزال يشغل مناصب أكاديمية في جامعات أخرى. وهو أيضاً رئيس حركة أبحاث ومناصرة القواعد الشعبية (GRAAM) في معهد فيفيكاناندا لتطوير القيادة، في ميسور.
نشر كتابه “أنا المواطن” عام 2015، وهو رحلة شخصية للدكتور بالو في قطاع التنمية الريفية حيث خاض على مدى أكثر من ثلاثين عاما من حياته حربا ضد الفقر، ومن أجل نشر التعليم والرعاية الصحية ومحاربة الفساد على المستوى المحلي، وصاغ ذلك كله في شكل نوادر من حياته تلك. يتناول الكتاب مواضيع تغطي التنمية والحكم والديمقراطية وإشراك المواطنين ومحاربة الفساد. كل فصل منه في شكل حكاية تحث القارئ على طرح الأسئلة الأساسية. ومع التقدم في الكتاب، نتعرف أكثر على حياة الدكتور بالو، والدروس التي تعلمها من خلال عمله التنموي مع قبائل جنوب الهند وجهود إشراك المواطنين، حيث يأخذك الكتاب من أدغال هيجادادفين كوت Heggadadevenkote إلى شوارع بنجالورو المزدحمة، ويثريك برؤى عميقة عند الانتهاء منه، والكتاب مكتوب بأسلوب سهل القراءة، مما ساعده في الوصول إلى جمهور أوسع. وقد اشتهر الكتاب عالميا، ونقل عنه واستشهد به على نطاق واسع من قبل الأكاديميين والباحثين في قطاع التنمية في جميع أنحاء العالم، وتم نشره من قبل مطبعة جامعة كورنيل المرموقة، في الولايات المتحدة كإصدار دولي. لكن قلة قليلة من الناس التي تعرف أن الأموال المخصصة لنشره قد تم جمعها بالكامل عن طريق التمويل الجماعي.
واستمرارا في توثيق خلاصات تجربته في الريادة الاجتماعية، يستعد اليوم الدكتور بالو لكتاب جديد بعنوان “أصوات من القواعد الشعبية Voices from the Grassroots”، ويعتزم توظيف التمويل الجماعي مرة أخرى للوصول إلى الناس في جميع أنحاء العالم. وهو كتاب يتنقل بين قصص حقيقية وروايات عن القواعد الشعبية. ويهدف الكتاب، كما يوحي اسمه، إلى جعل أصوات الأشخاص العاديين تتحرر وتسمع.
لا تكف قصص الريادة الاجتماعية القادمة من جنوب العالم عموما، ومن الهند خصوصا عن إدهاشي، ولا يكف حرص أصحابها على توثيقها، وإخراجها للناس عن إدهاشي أكثر وأكثر، وهو ما يستدعي من شبابنا الذي يحمل روح الريادة الاجتماعية على النظر جنوبا وشرقا، بدلا من النظر فقط شمالا وغربا.
—-
لمصدر المعلومات والمزيد منها، طالع تقرير ذا بتر إنديا:
https://www.thebetterindia.com/140517/i-the-citizen-dr-balasubramaniam-crowd-sourcing-voices-from-the-grassroots/
وطالع الويكيبيديا:
https://en.wikipedia.org/wiki/Ramaswami_Balasubramaniam
وطالع موقع مؤسسة فيجين إنديا:
http://visionindiafoundation.com/i-the-citizen/

وسائد من فلاتر أعقاب السجائر

نقول دائما في المثل “فلان صنع من الفسيخ شربات” وذلك لمن يصنع شيئا جميلا من آخر قبيح بما يثير الإعجاب، فإذا كانت صناعة هذا الشربات من ذاك الفسيخ هي جزء من منظومة متكاملة ومبتكرة ومستدامة للتخلص وإعادة تدوير كافة مخلفات التدخين، فإن مقدار العجب لا شك يزيد.
شركة كود إنتربرايزيس CODE Enterprises هي شركة أسسها اثنان من الشباب الهندي وهما فيشال كانيت Vishal Kanet ونامان جوبتا Naman Gupta في عام 2016 وذلك بعد أن أذهلهما كم أعقاب السجائر التي امتلأ بها منزل أحد أصدقائهما أقيم فيه حفل حضراه معا، ولأنهما كانا يفكران في أن يؤسسا مشروعا سويا، فقد أوحى المشهد لهما بفكرة المشروع، وهي جمع مخلفات التدخين وإعادة تدويرها، ومن ثم جمعا مدخراتهما وبدعم من أهليهما، بدآ سويا في البحث، فوجدا أنه لا توجد شركات تقوم بهذا العمل في الهند. وكما يشير فيديو لصفحة InUth منشور بتاريخ 17 أبريل 2018، فإن هناك 100 مليار عقب سيجارة يتم التخلص منه كل عام في الهند.
ومن ثم بدآ العمل على جمع مخلفات السجائر بمساعدة الأصدقاء والمتطوعين، حيث يتلقون تلك المخلفات إما بشكل حر ومجاني لمن يرغب، أو بشكل تعاقدي، حيث تقوم الشركة بتوفير حاويات VBins متفاوتة الأحجام لجمع مخلفات التدخين لأصحاب المحال التجارية والشركات، على أن يقوما بجمعها كل 15 يوما مع دفع 250 روبية كحافز مادي لكل كيلو جرام من تلك المخلفات، وقد انتشرت خدماتهما إلى 12 ولاية هندية، ومن هذا الكم من المخلفات يجمعون حتى الآن 400 إلى 500 كيلو جرام شهريا، ويعالجون 10 إلى 12 كيلو جرام يوميا من تلك المخلفات ليصنعوا منها عدة منتجات، مثل الوسائد cushions من الفلاتر بعد معالجتها كيميائيا، ومكمورات سماد عضوي من الأوراق المغلفة للأعقاب وبقايا السجائر، أما الرماد فيصنعون منه طوب الرماد.
——
لمصدر المعلومات والمزيد منها طالع تقريرا منشورا عنها:
https://www.thebetterindia.com/77701/cigarette-butt-recycling-noida/
وطالع صفحة الشركة على الفيسبوك:
https://www.facebook.com/CodeEnterprises/
وشاهد فيديو حول المبادرة:
https://www.facebook.com/InUthdotcom/videos/444607792627606/?hc_ref=ARSFxjpt4cvuTg4Wm-xOZrMnIeKnxMY91DYhVSznsgKhn-jrPlfDZdi1r0WtYRSQHOo

أسقف ملائمة لسكان العشوائيات والقرى

أعظم الابتكارات هي تلك التي تأخذ في اعتبارها منذ بداية التفكير فيها البعدين الاجتماعي والبيئي، وعندما يكون ذلك الابتكار منتج مادي فإننا نطلق على عملية الابتكار تلك: التكنولوجيا الملائمة، فإذا استطاع الشباب الواعي أن يحول عملية إنتاج وتسويق تلك التكنولوجيا الملائمة تأني في صيغة شركة ناشئة توفر الاستدامة للمشروع فذلك أفضل شيء.
شركة ريماتيريالزRematerials هي شركة ناشئة أسسها الشاب الهندي هاسيت جانتارا Hasit Gantara والشابة الألمانية ليزا فون رابيناو Lisa von Rabenau. انطلق مؤسسو الشركة من إدراكهم للتحدي الإنساني العالمي المتمثل في وجود أكثر من مليار شخص في الأحياء الفقيرة والقرى في جميع أنحاء العالم يفتقرون إلى أسقف كافية وآمنة. ويعد الأسمنت المموج والأغطية المعدنية هي أكثر مواد التسقيف استخداما على نطاق واسع في هذه المجتمعات في جميع أنحاء العالم، وهي خيارات غير مريحة وخطيرة، فهي تتسبب في شدة حرارة المسكن في الصيف، كما أنها تعاني من التسريب خلال مواسم الأمطار، وتتسبب في ضوضاء كثيرة، كما تتعرض للكسر في كثير من الأحيان مما يتسبب في إصابة ساكنيها، وهو ما يستدعي صيانة وإصلاحا يكلفان سكانها الفقراء، ويؤدي التسقيف بالمعادن أو الأسبستوس المعرج إلى آثار صحية ضارة وانخفاض جودة الحياة، والبديل الآخر الوحيد في السوق هو السقف الخرساني، الذي لا يمكن للأسر ذات الدخل المنخفض تحمله.
ومن ثم فقد ابتكرت الشركة مودروف ModRoof وهو نظام تسقيف لوحدات منازل الأحياء الفقيرة والقروية في العالم النامي. المكون الرئيسي لنظام التسقيف هذا هو الألواح التي يتم تصنيعها حسب الطلب من خليط نفايات الكرتون المعاد تدويرها والمخلفات الزراعية. للتصدي لتحديات التشغيل في العالم النامي، صمم نظام التسقيف هذا على شكل ألواح يسهل شحنها وتركيبها واستبدال الألواح الفردية منها، فضلا عن ذلك يعطي مظهرها الجديد والملون قيمة جمالية غالبا ما تكون مفتقدة في إسكان العشوائيات والفقراء، كما تتميز تلك الألواح بطول العمر (20 عام)، ومساعدتها في خفض حرارة المسكن، ولا تتسبب في تسرب المياه في موسم الأمطار، وهو يقدم فضلا عن ذلك بأسعار معقولة ميسورة على الفقراء وزيادة في التيسير تقدم الشركة المنتج من خلال مؤسسات التمويل متناهية الصغر، حيث يتم الدفع على أقساط شهرية. فضلا عن ذلك تجري الشركة تجارب لإدماج خلايا شمسية في تصميم مودروف، بما يسمح بتوفير الطاقة الشمسية للإضاءة وشحن الهواتف المحمولة.
طالع تقريرا حول الشركة والابتكار:
https://www.thebetterindia.com/76262/ahmedabad-start-up-makes-eco-friendly-roof-from-waste-materials-and-its-aesthetic-too/
وطالع موقع الشركة لمصدر المعلومات والمزيد منها:
http://re-materials.com/

قاعدة بيانات عالمية للأعراف الاجتماعية/الاقتصادية

يقول المثل “الشيء لزوم الشيء”، فإذا كنت تبحث عن دعم مناخ الابتكار على مستوى القواعد الشعبية كما تفعل شبكة نحل العسل Honey Bee Network – أكبر شبكة في العالم للابتكار الشعبي – فلابد لك من التعرف العميق على المناخ الاجتماعي الذي يمثل بيئة ذلك الابتكار، ومن بين مكونات ذلك المناخ الرئيسية الأعراف الاجتماعية/ الاقتصادية، ولأجل رصدها وتصنيفها والتعلم منها أنشأت جمعية سريستي SRISTI (أحد المكونات الرئيسية لشبكة نحل العسل) قاعدة بيانات فريدة من نوعها، مفتوحة المصدر، للأعراف الخاصة بالإدارة المستدامة للموارد الطبيعية.
الأعراف هي لون من الترتيبات الاجتماعية التي يتوافق عليها الناس في مجتمع ما بمحض إرادتهم، ويستهدف بعضا من تلك الأعراف التوافق على إدارة الموارد التي تمثل ملكية مشتركة. والأعراف ذات تنوع كبير، فقد تكتسب الاعتراف الرسمي أو تبقى غير رسمية، وقد تكون دائمة ومتجذرة في الثقافة أو عرضية. كما تختلف طبيعة القواعد والترتيبات التي تتضمنها تلك الأعراف باختلاف القطاعات والمناطق والثقافات، غير أن مصدر التباين قد يكون أكثر أهمية، ويشمل ذلك طبيعة التوترات أو الفرص التي تسببت في تلك الأعراف، وسياق المشاركين في وضعها، وحجم المجموعات المنضوية تحتها، وعدم التجانس بين أصحاب المصلحة فيها، وطبيعة الموارد (سواء كانت متقلبة أو مستقرة)، ونوع ملكية الموارد (سواء كانت خاصة أو مشاعية أو تخص مجموعة معينة أو عامة)، وندرة الموارد والغرض من الإدارة (سواء لتراكم الثروة أو لبقاء الأعضاء على قيد الحياة). مثال لتلك الأعراف، هو ما تفرضه بعض مجتمعات الصيد على أعضائها من عدم استخدام شبكات صيد ذات فتحات أصغر من 4 بوصات – مثلا- لمنع صيد الأسماك الصغيرة، ومن ثم منع الإضرار بالمصلحة العامة للصيادين ككل في الحاضر والمستقبل، وترتيب عقوبات مجتمعية ملزمة على من يخالف ذلك.
وقد تم العمل على نظام فهرسة حوسبية لقاعدة البيانات تلك، لتصبح نظاما قائما على الويب يعرف باسم “قاعدة البيانات والمعلومات التفاعلية لأعراف موارد الملكية العمومية”. يسمح هذا النظام للمستخدمين بالتفاعل لتطوير مجتمعات للمناقشة عبر الإنترنت ومجموعات ذاتية المراقبة، كما يتيح تلقي التحديثات في كل قطاعات الاهتمام، ويتم تحديث قاعدة البيانات باستمرار، كما يمكن مشاركة الأعراف الجديدة من خلال وحدة المشاركة عبر الإنترنت. تتكون قاعدة البيانات حاليا من 87 عرفا من أكثر من عشرين دولة موزعة على خمس قارات. وقد تم اختيار الأعراف التي تخص قطاعات اقتصادية مثل الغابات والري وصيد الأسماك والصيد البري وجمع الثمار وما إلى ذلك، مما يتيح إمكانية دراسة ممارسات الإدارة المجتمعية المطبقة على مجموعة متنوعة من الموارد الطبيعية.
—-
طالع قاعدة البيانات تلك على موقع جمعية سريستي:
http://www.sristi.org/cpr/index.php
طالع حول قاعدة البيانات تلك أيضا:
Grassroots Innovation: Minds On The Margin Are Not Marginal Minds – Penguin Random House India – 2016 – pp. 301- 314